Thursday, November 19, 2009

الطريق إلى مكة لمراد هوفمان / Journey to Makkah by Dr. Murad Hofmann

مراد هوفمان مؤلف ودبلوماسي ألماني شهير، كاثوليكي المولد، اعتنق الإسلام عام 1980 ، شكل إسلامه جدلا واسعا في الأوساط الغربية بسبب منصبه الدبلوماسي الرفيع. عين بعد ذلك سفيرا لألمانيا في الجزائر من عام 1987 إلى 1990 ومن ثم سفيرا إلى المغرب حتى عام 1994. له من مؤلفات العديدة حول الإسلام منها الإسلام كبديل، والإسلام في الألفية الثالثة، ومذكرات ألماني مسلم.


وعلى عكس ما توقعت حين شرعت في قراءة الكتاب، وكعادة ما درجت عليه كتب من مروا برحلة الشك إلى الإيمان، بأني سأجد وصفا للصراع الذي مر به الكاتب في رحلة بحثه عن الحقيقة والصعوبات التي تكبدها إزاء رفض مجتمعه لفكرة تغيير دينه. إلا إنني وجدت خطابا موجها إلى الشارع الغربي من مسلم غربي يصف فيه ملامح من حياة المسلمين عامة، وحياته كمسلم خاصة. تطرق في كثير من الأحيان إلى الشبهات التي تدور حول الإسلام محاولا تفسيرها وتفنيدها وتصحيح المفاهيم المتعلقة بها.


وعلى الرغم من ضخامة محتوى الكتاب، إلا أن سلاسة عرض هوفمان وبراعة سرده وقوة بيانه وحجته جعلت من قراءته رحلة ممتعة للذهن والحس معا. ولي اعتراض على ترجمة عنوان الكتاب إلى (الطريق إلى مكة) بدلا من (الرحلة إلى مكة) والذي قد يحدث لبسا مع كتاب محمد أسد الشهير (الطريق إلى مكة / The Road to Makkah).

وفيما يلي استعراض المقتطفات الجميلة من هذا الكتاب الصادر عن دار الشروق العربي، الطبعة الأولى 1996.
  
هانحن أولاء نقف في تقليد إبراهيمي أمام أقدم معابد التوحيد في العالم.. أمام الكعبة. والكعبة مكعب مجوف خال تماما مبني بأحجار ضخمة. إنها صورة معمارية لكمال الله في ابسط تصوير، بعيدا عن التعقيد القوطي وفن الركوكو


"الحج ليس فريضة فحسب، بل هو حلم كل مسلم، والعودة منه مفخرته. فلا لقب دكتور ولا لقب سعادة ولا حتى لقب أستاذ تضاهي لقب حاج الذي يخاطب به"



"توجهت إلى الطابق الأعلى حيث يزداد نصف قطر دائرة الطواف، النظر من هنا إلى أسفل يكاد يكون كالتنويم المغناطيسي. والمشهد شديد الجمال. فالكعبة تبدو كمركز ثابت لا يتحرك لاسطوانة تدور ببطء وفي سكون تام في اتجاه مضاد لاتجاه عقارب الساعة. ولا يتغير هذا المشهد إلا عند الصلاة، حيث تصير الكعبة مركز لدوائر عديدة متحدة المركز، تتكون من مئات الآلاف من أجسام ناصعة البياض لأناس يرغبون ويبحثون ويفعلون الشيء ذاته"


"من الأهمية بمكان أن يعرف المرء كيف يحدد موضع صلاته بحيث يضع شيئا كنظارته أو حافظة أوراقه على مسافة 90 سم أمامه. فلن ينتهك أحدا موضع صلاة آخر. وإنني لأتذكر أنني هممت بمغادرة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وعندما وصلت الباب الرئيسي كانت حركة السير بطيئة. وكان السبب أن احد القادمين إلى الصلاة تأخر ومازال يكمل صلاته على الدرج في هدوء تام. بينما انقسمت جموع المصلين المنصرفين من المسجد كما تنقسم حول صخرة. ولم يجرؤ احد على أن يزعجه أو يشوش عليه صلاته أو أن يقتحم موضع صلاته"



"كان رفاق رحلة حجي من السنغاليين في الطائرة شديدي الحساسية تجاه العرب، اللذين يعتبرون أنفسهم- تشبها باليهود- أفراد شعب الله المختار، وهم ليسوا كذلك وحدهم بطبيعة الحال. ومن جانبي، أقررت انه لابد للمرء أن تدور رأسه غرورا إذا ما صادفه الحظ مرتين في تاريخ العالم: أولاهما، عندما بعث خاتم الرسل في الأرض العربية برسالة عربية، وثانيهما عند ظهور بركة النفط والغاز الطبيعي... ولكن رفض جميع من في الطائرة القبول بأن العرب ينفردون بوضع يتيح لهم وحدهم فهم الرسالة الإلهية للقرآن، فالإسلام لا يعرف التفرقة العنصرية"



"ابتداء من عام 1980، لم اعد احمل معي في رحلات العمل سوى سجادة صلاة وبوصلة لتحديد القبلة. وراحت أيامي تتشكل أكثر فأكثر تبعا لمواقيت الصلاة وليس تبعا للساعة التي تسبب التوتر والقلق. فعندما يتواعد المرء مع المسلمين، فانه لا يواعدهم (الساعة الثالثة والربع) وإنما يواعدهم لوقت (بعد صلاة الظهر) أو (بعد صلاة المغرب)"



"أثبتت لي الكثير من الوقائع انه قد لا يكون هناك عائق في طريق انتشار الإسلام في ألمانيا أقوى من التحريم القرآني للخمر. فلن يتنازل الألماني في بافاريا ولا في كولونيا عن طعامه المفضل من لحم الخنزير ولا عن خمره المفضل. ولقد ظننت في بادئ الأمر أنني لن استطيع النوم جيدا بدون جرعة من الخمر في دمي ولكن ما حدث كان عكس ما ظننت تماما. فنظرا لان جسمي لم يعد بحاجه إلى الكحول أصبح نبضي أثناء نومي اهدأ من قبل"



"إن المسلم بتناوله كوبا من الماء أو العصير بين أناس يحتسون الخمر، يفسد عليهم بهجتهم، لأن ما يفعله ينطوي على عقاب معنوي لهم. لذلك أصبح من النادر بعد اعتناقي الإسلام أن ندعى، زوجتي وأنا، إلى حفلات خاصة"


"ما يزال النساء والأطفال لليوم يتعرضون للضرب تحت تأثير الخمر. كذلك تسقط الطائرات اليوم تحت تأثير الخمر. ولقد تسبب قائد إحدى الناقلات البحرية تحت تأثير الخمر في وقوع أسوأ كارثة بيئية حتى الآن. ولا يمكن تقدير الخسائر البشرية والمادية التي تصيب المجتمع الغربي بسبب إدمان الخمر"



"يختلف مفهومي عن رمضان المبني على إتباعي للسنة، عن الكيفية التي يمارس بها في بعض البلدان الإسلامية. فالناس يميلون أن يعوضوا في الليل ما فاتهم في النهار. فيشاهدوا التلفزيون ويلعبوا الورق ويحتسوا الخمر أحيانا حتى منتصف الليل. ومن شأن هذا أن ينمي الاتجاه الغريب نحو استبدال الليل بالنهار في رمضان"



"بالنسبة لي، لعل أهم اثر جانبي لصوم رمضان في، إنني استطيع أن اختبر إذا ما كنت سيد نفسي أم أنني ما زلت عبدا لعادات تافهة... إنني احتفظ لنفسي بما اسميه (زر رمضان). فعندما تكون هناك ضرورة، بين الحين والآخر، على مدار العام، لترك وجبة أو وجبتي طعام، فاني اضغط ذهنيا على هذا الزر وسرعان ما احتمل الجوع ولا أعيره اهتماما"



"لقد كنت أنا وزوجتي نلبي جميع الدعوات التي توجه إلينا، سواء كانت دعوة من وزير أو من سائق سيارتي، دعوة من أميرة أم من خادمتنا. وهكذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يجز رفض الدعوة إلا لسببين: وهي أن تؤدي الدعوة إلى استدانة الداعي، أو أن تكون لغرض التفاخر والمباهاة. ولذلك لم اشعر بحرج لرفض دعوات وجهت لي لحضور حفلات زفاف لعلمي أن والد العروس يبغي المباهاة بحضوري كسفير"


"يسمح للجماعة اليهودية بألمانيا أن تذبح ذبائحها وفق الشريعة اليهودية، بينما يمنع المسلمون من هذا الحق. وهذا أمر يدعو إلى السخرية. وتستنتج السلطات الألمانية من هذا نتيجة منطقية مؤداها أنها إذا منعت المسلمين من أن يذبحوا ذبائحهم وفق شريعتهم فسوف يضطرون إلى أكل حيوانات لم تذبح وفقا لها"



"في أول زيارة لنا إلى مكة في عام 1982 طلبنا في احد المطاعم إبريقا من القهوة، كما هي العادة في ألمانيا عندما يتناول مجموعة من الأصدقاء القهوة معا. وكلما كرر النادل السؤال أكثر من مرة عن طلبنا بهدف التأكد أرجعنا ذلك إلى صعوبة اللغة. وأخيرا احضر لنا إبريقا يمينا مملوءا بالقهوة العربية. ولكننا أحسسنا بضربات القلب تتسارع بعد احتساء ما يعادل نصف قدح من الحجم الألماني"


"تعود ظاهرة حماية الرجل للمرأة، حتى وان لم تر هي أنها في حاجة إليها، إلى آية استهلالية من آيات القران فسرت منذ قرون من الزمن بما يفيد تفوق الرجل على المرأة، وهي في بعض الترجمات الألمانية تبدأ على النحو التالي


(الرجال متفوقون على النساء) (م. سافاري)


(للرجال أفضلية على النساء) (بلزاتيجاني)


(الرجال قادة النساء) (حميدوالله)


(للرجال سلطة على النساء) (بوباكير وماسون)


(للرجال حق الرقابة على النساء) (ماتسيه)


(الرجال أعلى من النساء) (باريت)


(الرجال مسئولون عن النساء) (م. علي)

 وحمدا لله أن النص العربي (الرجال قوامون على النساء) لا يحمل المعنى المشار إليه. وهذه ليست الحالة الوحيدة التي يكيف فيها الرجال فهمهم للقرآن وفقا لممارستهم وسلوكهم في الواقع، بدلا من تكييفه لأحكام القران الودودة تجاه النساء. ولقد استلفت عبدالله بوريك وفتحي عثمان الانتباه إلى تغيير الفهم الخاطئ للآيات القرانية ولقد بدأ العالم الانجلو ساكسوني بالفعل في تغيير ذلك:


(ينبغي على الرجال أن يعنوا عناية كاملة بالنساء) (أسد)


(الرجال حماة النساء) (ي. علي)


(الرجال يعولون النساء) (بيرك)"


"تتولى المرأة في البلدان الإسلامية رئاسة الحكومة فهناك تانسو تشيلر وبناظير بوتو. وفي اعتقادي انه ما يزال أمام ألمانيا المتحررة طريقا طويلا قبل أن تصل المرأة إلى الرئاسة"



"من الخطأ أن يتصور البعض أن ارتداء الملابس الإسلامية المحتشمة بما في ذلك غطاء الرأس أمر يفرضه على النساء رجال غيورون.. والمسلمات الألمانيات خير دليل على ذلك. فالعديد منهن اهتدين إلى الإسلام بمفردهن ودون أن يكن في أسرهن رجل واحد مسلم"


"لم يمثل لي شخصيا اعتناق الإسلام مشكلات بين عائلتي وأصدقائي أو زملائي. فلم أعامل كمخرف يمر بأزمة منتصف العمر... لم أتعرض كذلك في عملي لأي مضايقات ولم يلحق بأي أذي بسبب اعتناقي الإسلام. فلقد قلدني رئيس ألمانيا د. كارستن وسام الاستحقاق، كما قامت وزارة الخارجية بتوزيع كتابي (يوميات ألماني مسلم) على سفاراتها في البلدان الإسلامية. ولكن هناك ظاهرة أخرى نلحظها بسهولة. فالعالم الغربي لا يقدم المسلمين مشيرا إلى ديانتهم، حتى لا يثار شك حول ذكائهم. ولقد صادفت تلك المواقف كثيرا أثناء رحلاتي لإلقاء محاضرات بصفتي مدير قسم المعلومات بحلف شمال الأطلنطي، سواء كانت هذه الرحلات داخل الولايات المتحدة أو أوروبا. ودائما ما يتم إغفال ذكر إسلامي عند استعراض سيرة حياتي"


"عندما أعلن النجم السينمائي ريتشارد غير اعتناقه البوذية لم تثر تعليقات سلبية ولم يتعر ض لمضايقات. فكل شي مسموح به إلا أن تكون مسلما... تتحدث وسائل الإعلام بشكل لائق وفي احترام بالغ عن طقوس بعض اليهود المتشددة، ويتابعون بحرص الفصل بين الجنسين، تدابير الزيجات، تصافيف الشعر ذات المغزى الديني، غطاء الرأس، النحر ورفض تناول لحم الخنزير. ولكن لا يتهمهم احد بانتهاك حقوق المرأة، أو أن هذه الطقوس رجعية أو متعصبة. ولكن هذه الصفات تلصق بالمسلمين إذا ما سلكوا نفس المسلك"


"يقف الصراع في البوسنة شاهدا جليا على مبدأ الكيل بمكيالين. فلقد سمي الضحايا بالمسلمين ولكن وسائل الإعلام أغفلت تماما الإشارة إلى ديانة المعتدين. فخلت وسائل الإعلام من الإشارة إلى القتلة الصرب بالمسيحيين الارثودوكس أو الكروات الكاثوليك"



صفحة الكاتب مراد هوفمان على الفيس بوك


http://www.facebook.com/pages/Dr-Murad-Hofmann/164370994275












Sunday, November 15, 2009

Touching Lines from T. S. Eliot's (Four Quartets) Rearranged in Order of Preference

Time present and time past
Are both perhaps present in time future,
And time future contained in time past.
If all time is eternally present

All time is unredeemable.

***

Go, go, go, said the bird: human kind
Cannot bear very much reality.

***


When an underground train, in the tube, stops too long between stations
And the conversation rises and slowly fades into silence
And you see behind every face the mental emptiness deepen
Leaving only the growing terror of nothing to think about;


***


I said to my soul, be still,
and wait without hope
For hope would be hope for the wrong thing;
wait without love,
For love would be love of the wrong thing;
there is yet faith
But the faith and the love and the hope are all in the waiting.
Wait without thought, for you are not ready for thought.


***

So here I am, in the middle way, having had twenty years—
Twenty years largely wasted, the years of l'entre deux guerres
Trying to use words, and every attempt
Is a wholly new start, and a different kind of failure.


***


There is only the fight to recover what has been lost
And found and lost again and again: and now, under conditions
That seem unpropitious. But perhaps neither gain nor loss.
For us, there is only the trying. The rest is not our business.

***


There are three conditions which often look alike
Yet differ completely, flourish in the same hedgerow:
Attachment to self and to things and to persons,
Detachment from self and from things and from persons;
and, growing between them, indifference
Which resembles the others as death resembles life,


***


Time and the bell have buried the day,
The black cloud carries the sun away.
Will the sunflower turn to us, will the clematis
Stray down, bend to us; tendril and spray
Clutch and cling?

***


O dark dark dark.
They all go into the dark
I said to my soul, be still,
and let the dark come upon you
Which shall be the darkness of God.
As, in a theatre,
The lights are extinguished, for the scene to be changed.




***


I can only say, there we have been:
but I cannot say where.
And I cannot say, how long,
for that is to place it in time.


***


In my beginning is my end. In succession
Houses rise and fall, crumble, are extended,
Are removed, destroyed, restored, or in their place
Is an open field, or a factory, or a by-pass.
Old stone to new building, old timber to new fires,
Old fires to ashes, and ashes to the earth
Which is already flesh, fur and faces.


***


Had they deceived us
Or deceived themselves, the quiet-voiced elders,
Bequeathing us merely a receipt for deceit?

The wisdom only the knowledge of dead secrets

Useless in the darkness into which they peered
Or from which they turned their eyes.
There is, it seems to us,
At best, only a limited value
In the knowledge derived from experience.
The knowledge imposes a pattern, and falsifies,
For the pattern is new in every moment
And every moment is a new and shocking
Valuation of all we have been.


***

Do not let me hear
Of the wisdom of old men,
but rather of their folly,
Their fear of fear and frenzy,
their fear of possession,
Of belonging to another,
or to others,
or to God.
The only wisdom we can hope to acquire

Is the wisdom of humility: humility is endless.


***


In order to arrive at what you do not know
You must go by a way which is the way of ignorance.
In order to possess what you do not possess
You must go by the way of dispossession.
In order to arrive at what you are not
You must go through the way in which you are not.


***


The chill ascends from feet to knees,
The fever sings in mental wires.
If to be warmed, then I must freeze


***

It seems, as one becomes older,
That the past has another pattern, and ceases to be a mere sequence—
Or even development: the latter a partial fallacy
Encouraged by superficial notions of evolution,
Which becomes, in the popular mind, a means of disowning the past.

We had the experience but missed the meaning,

The backward look behind the assurance
Of recorded history,
the backward half-look
Over the shoulder,
towards the primitive terror.
Now, we come to discover that the moments of agony
are likewise permanent,
With such permanence as time has.
We appreciate this better
In the agony of others, nearly experienced,
Involving ourselves, than in our own.


***
The first-met stranger in the waning dusk
I caught the sudden look of some dead master
Whom I had known, forgotten, half recalled

I said: 'The wonder that I feel is easy,
Yet ease is cause of wonder. Therefore speak:
I may not comprehend, may not remember.'



For last year's words belong to last year's language
And next year's words await another voice.


***


We cannot revive old factions
We cannot restore old policies
Or follow an antique drum.

Whatever we inherit from the fortunate
We have taken from the defeated
What they had to leave us—a symbol:
A symbol perfected in death.


***

We shall not cease from exploration
And the end of all our exploring
Will be to arrive where we started
And know the place for the first time.


***
That was a way of putting it—not very satisfactory:
A periphrastic study in a worn-out poetical fashion,
Leaving one still with the intolerable wrestle
With words and meanings.




(The End)



Wednesday, November 11, 2009

تاكسي (حواديث المشاوير) لخالد الخميسي

كتاب خفيف الظل يضم بين دفتيه سسلة من الحكايات والحوارات التي عاشها الكاتب ما بين ابريل 2005 الى مارس 2006 في دراسة انثروبولوجية حية لحكايات سائقي التاكسي في شوراع القاهرة. ترصد الحكايات بلغة حية صادقة نبض الشارع المصري وهموم شريحة مطحونة اقتصاديا في كسب قوت يومها تتميز ايضا بخبرات واسعة في المجتمع بسبب احتكاكها اليومي بمزيج هائل من البشر. يذكر الخميسي في مقدمته انه وجد في التحلليل السياسي لبعض السائقين عمقا اكثر مما لدى العديد من المحللين السياسين الذين "يملئون الدنيا صخبا". وخالد الخميسي اعلامي ومنتج ومخرج وكاتب سيناريو حاصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة السوربون.


قال المفكر المعروف د. عبد الوهاب المسيري عن هذا الكتاب انه "عمل ابداعي اصيل ومتعة فكرية حقيقة."


وهذه مقتطفات مختصرة وقليلة من بين ثمانية وخمسين حكاية جميلة من حكايات المشواير 

(1)

هنا القاهرة.. نشرة الاخبار.. ثم اتحفنا المذيع بعدد لا يحصى من الحوادث، طبعا بعد تفصيل ما فعله الرئيس مبارك اثناء اليوم.

السائق: هم ليه مصممين ان احنا لسه متخلفين عقليا ولسه ما طلعناش من الحضانه. تحصل حادثة قطر عندنا، فجأة نقعد كام يوم نسمع عن كل حوادث القطره اللي حصلت في العالم. بعدين تطلع مذيعة اطفال وتكلمنا بصوت بتاع اشربوا اللبن قبل ما تناموا وتقعد تدينا نصايح بصوت ام حنون باعتبار انه الشعب لسه ما شالش الكفولة.

وبعدين زهقنا كمان من اخبار الرئيس. كل نشرة، الرئيس قابل والرئيس اتصل، انا مالي هو كلم مين ولا راح افتتح ايه، اما الاخبار اللي تهمنا مافيش، حاجة تقرف. كل واحد عايز يتمحلس شوية يتمحلس على قفايا انا، انا رأيي يعملوا اذاعات فيها نشرات بجد ونشرات محلسه ويسموها كده، عشان الرئيس يسمع نشرات المحلسه ويبقى يرقيهم، واحنا نسمع بقية النشرات.

ياعم انا مالي! هي كانت بلدنا؟ دي بلادهم همه، يعلموا فيها اللي همه عاوزينه، واحنا خلينا في التاكسي!


(2)

يا الهي! كم عمر هذا السائق؟ وكم عمر هذه السيارة؟ فان عدد الكرمشات في وجهه بعدد نجوم السماء. شعرت بمجرد الجلوس بجانبه ان الحياة بخير.

أنا: حضرتك اكيد بتسوق من فترة طويلة؟

السائق: انا بسوق تاكسي من سنة 48

أنا: وايه يا ترى خلاصة خبرتك اللي ممكن تقولها لواحد زيي

السائق: نملة سوداء على صخرة سوداء في ليلة سوداء يرزقها الله.

انا: قصدك ايه؟

السائق: احكيلك حكاية حصلت لي الشهر ده عشان تفهم. عييت لمدة 10 ايام عيا شديد وماكنتش قادر اتحرك. وانا طبعا على باب الله يعني اليوم بيومه معايا. ومراتي مخبيه علي وعمالة تشحت اكل من الجيران. وانا طبعا ولادي اللي فيهم مكفيهم، اللي جوز نص عياله ومش عارف يجوز النص التاني. في يوم كدبت على الحجة وقلت لها ح اقعد في القهوة ساعة. ونزلت دروت على العربية وقلت يا ربنا يا رزاق. فضلت ماشي ولقيت عربية بيجو عطلانة والسواق بتاعها بيشاور لي. وقفت وقال لي: معايا واحد عربي طالع المطار. تاخده علشان عربيتي عطلت؟

ركب معايا الزبون وطلع من عمان، من عند السلطان قابوس. وانا في الطريق عرفت انه رايح قرية البضايع علشان حاجة يخلصها فعرفته انه حفيدي يشتغل هناك وانه ممكن يساعده في تخليص الجمرك. وبالفعل خلصنا الحجات ورجعنا.

سألني حتاحد كم يا حاج؟ قلت اللي تجيبه. فراح مديني خمسين جنيه. شكرته ودورت العربية.

قال لي: بص يا حج. الجمرك كان المفروض يبقى ب 1400، دفعت انا 600 جنيه، يعني الفرق 800 جنيه دول طالعين من ذمتي. يعني حلالك. واجرة التاكسي 200 جنيه. آدي الف جنيه والخمسين اللي معاك هدية مني.

شفت يا استاذ.. يعني مشوار واحد جاب لي الف جنيه ممكن اشتغل شهر وماجيبهومش. شوف ربنا نزلني من بيتي وعطل عربية البيجو واوجد كل المسببات علشان يرزقني. اصل الرزق ده مش بتاعك، كله بتاع ربنا.

(3)

السائق: واحد ماشي في الصحراء لقى مصباح علاء الدين دعكه طلع جني. قال شبيك لبيك. الراجل ما صدق وراح طالب مليون جنيه. راح الجني مديله نص مليون. قال له وفين النص التاني انت حتخنصر من اولها. قال الجني: اصل الحكومة مشاركة في المصباح فيفتي فيفتي (ثم انفجر ضاحكا) انت عارف الحكومة فعلا بتاخد يجي نص مكسبنا.

أنا: ازاي؟

السائق: عن طريق التقليب. كل شوية يطلعوا لنا في حدوتة جديدة. بص بصراحة احلى واحدة بتاعة الحزام.

أنا: ماله الحزام؟

السائق: فجاة قالوا لازم تركب حزام والمخالفة بخمسين جنية. وراحت نازلة حزمة نار ما يقلش عن ميتين جنيه. طبعا داخل فيها ناس كبار، تصور حضرتك فيه كام تاكسي في مصر, عد انت بقى.. شغل بالملايين يا باشا. الحكاية كلها بيزنس في بيزنس. الكبار قوي استوردوا احمزة وباعوها وكسبوا ملايين. والداخلية اشتغلت مخالفات الله ينور ولموا ملايين. يعني الكل مستفيد. والكل عارف انه الحزام ده كدب في كدب. ديكور يعني... بنركبه اونطة. الحزام ده اما تدوس على الفرامل يشد معاك اما عرابيتنا لما تدوس يفك معاك. (ورفع السائق امامي الحزامي ليريني انه ليس مربوطا)

الظابط لو وقفك بيبص على الحزام وهوعارف كويس قوي انه ديكور. احنا عايشين في كدبه ومصدقينها. والحكومة دورها انها تراقب احنا مصدقين الكدبة، ولا لأ؟

(4)

السائق: انت حضرتك ما يخيلش عليك الحجاب اللي هما لابسينه. شوف البنطلون المحزق والهباب اللي ملطخين بيه خلقتهم. اللهم اكفينا شرهم. مصيبة والعياذ بالله. البنات عايزه الدبح. لأ والله الدبح قليل عليهم. دول عايزين الحرق. علامة من علامات الساعة. اصل الساعة قربت. الانحلال بيعم والاخلاق ما فيش والفساد على ودنه. واهم حاجة منسوب المياه في بحيرة طبرية. بيقولوا ان يوم الساعة حتكون البحيرة دي ناشفة تماما.. دلوقت سمعت انها خلاص بتنشف ما فضلش من المية غير القليل... واللي بيحصل في فلسطين والقدس. المسألة واضحة تماما. كلها كم سنة وخلاص.. من اجتهد لله حيترفع للجنة والبقية حيتخسف بيهم الارض ان شاء الله. اللي واكلينها والعة وماصين دمنا حيصلوا في نار جهنم ان شاء الله. والدور والباقي على الستات. دوول حيتشووا على النار لغاية ما يقولوا يا كافي.

(حمدت ربي انني وصلت وهربت من التاكسي قبل ان تصلني لعناته. وحمدت الله انني لست امراة )


(5)

السائق: الزمالك دي عاملة زي مصر لازم كلنا نقف معاها عشان تبطل ترجع لورا؟

أنا: ازاي نقف معاها؟

السائق: ان احنا نجهز ولادنا للحرب. الامريكان يقولوا يمين نروح يمين.. شمال.. نجري شمال.. بس ده كان مهم عشان ناخذ نفسنا واقتصاد البلد يشد حيله ونعرف نقف على رجلينا... لكن الحرب جايه جايه. الاسرائليين مش حيقدروا ما يحربوش.. السلام حيموتهم.. فكل واحد في البلد دوره انه يجهز ولده للحرب.. لانها جايه جايه.. المشكلة فيهم مش فينا.. هما اللي مش حيقدروا يعملوا سلام.. واحنا ما ينفعش نعمل سلام مع نفسنا.. السلام ده لازم نعمله مع حد تاني؟ (يضحك من نكتته).. انا شخصيا اشرح لولادي الموضوع علشان لما تدق الطبول يسمعوا دقتها.


(6)

السائق: في واحد لسه نازل من شويه قال انه حادثة خان الخليلي مش عاملها الاسلاميين ولا حاجة، وان دي الحكومة اللي عاملاها عشان الناس تتعاطف معاها ضد الاسلاميين قبل الانتخابات الرئاسية. السياسية ده كده طول عمرها وسخة. ما احنا كلنا عارفين ان الامريكان هما اللي ضربوا البرج بتاعهم ولبسوها الاسلاميين. السياسية شعارها اللي تكسب به العب به.

أنا: انت بتقول ايه؟ مفيش اخلاق مفيش قانون؟ انت فاكر احنا عايشين في غابة.

السائق: ليه وانت فاكرنا عايشين فين؟ في مدينة؟ ده الغابة رحمه على اللي احنا فيه. انت عارف احنا عايشين فين؟

أنا: فين؟

السائق: في الجحيم.


(7)

السائق: مفيش ديموقراطيه في العالم.. طبعا عندنا مفيش داعي نتكلم، بس كمان بره. في امريكا الناس بتروح تنتخب بين حزبين وهما في الحقيقة نفس الحاجة.. زي ما هنا تروح تنتخب مبارك او مبارك. بس في فرق.. مثلا، ما ينفعش هناك يقولوا جماعة الاخوان المحظورة ويبقوا هم اللي واقفين قدام الحزب الوطني. هناك محظروة يعني محظورة, اما هنا محظورة وسايبينها تشتغل.

على فكرة مش بس الاخوان، ده اي واحد فينا ممكن يتقبض عليه بالقانون. يعني مثلا لو وقفني دلوقتي حيقولك الرخص.. الرخص سليمة.. حيقولك الطفاية فاضيه او بعيدة عنك او قديمة.. ما تفهمش عرف ازاي انها فاضيه او قديمة.. ولو عديت من الطفاية يقوللك امن ومتانة واكيد اي عربية في مصر مخبوطة خبطه صغيره في حته. يعني باختصار احنا كلنا محظروين.. واي واحد في البلد دي زي الاخوان ممكن يتلم في اي وقت.

(8)

6 اكتوبر.. 6 اكتوبر.. صرخات كنت اطلقها في الهواء كي تقنع احد سيارت الاجرة بالتوقف ولكن هيهات. وبعد صبر توقف تاكسي.

انا: اي الحكاية؟ بقى لي نص ساعة ما حدش عايز يقف لي.

السائق: ولا حد كان حيوقف لك.

انا: ليه؟

السائق: بالليل كده وفي حتت مقطوعة وبالذات قي 6 اكتوبر صعبه الايام دي.

انا: ليه؟ فيه ايه؟

السائق: حصلت كم حادثة كده. زباين ياخدوا تاكسي ويقولوا 6 اكتوبر وفي حته مقطوعة يطلعوا مطاوي وياخذوا اللي معاه ويرموه على الطريق وياخذوا العربيه.

انا: وانت عرفت منين، انتنشرت في الجرايد؟

السائق: انا لاقي اكل عشان اشتري جرايد. انا كنت قاعد على القهوة لقيت شوية سواقيين وجايبين ورق مكتوب فيها الكام حادثة دول وبيوزعوها على السواقين وادوني كذا نسخه اوزعها على سواقين انا عارفهم. عشان كذا انا بصيت لك كويس قبل ما اركبك.

(ارهبتني القصه ولكن اعجبني قصة تكاتكف السائقين وتوزيعهم منشور تحذيري)


(9)

شغل موضوع تاكسي العاصمة اذهان العديد من السائقين. ومرت السنوات والمشروع لم ير النور بعد. ولقد اطلقوا عليه اسم تاكسي القاهرة الدولي. ما معنى كلمة دولي هنا؟ ولماذا دولي؟ وهل سيارة التاكسي هي الدولية او القاهرة التي تم تدويلها؟ واستمر سائقوا التاكسي الابيض والاسود اولاد البطة السوداء في البحث عن كافة التفاصيل الخاصة باعداد سيارات الاجرة الصفراء اولاد البطة البيضاء. وتسائلوا عمن سيركب هذه التاكسيات؟ وهل سؤثر المشروع عليهم؟

السائق: بيتكلموا عن الموضوع دا وكانه مشروع قومي. بيقولوا حينزلوا 1500 عربية، وفي القاهرة ثمانين الف تاكسي. حيتشافوا فين دول. والله الحكاية دي فكرتني بنتكة الرئيس اللبناني اللي راح يزور الصين، فسأله الرئيس الصيني: ما جبتش معاك الشعب اللبناني ليه؟

بعدين تاكسي العاصمة عامل بالظبط زي الليموزين اللي عملته جيهان السادات. كان للاجانب وبس. واللي يطمن ان الحكومه مش بتفكر غير في السياح والاغنياء، واحنا بنركب الشعب الغلبان اللي الحكومة مالهاش دعوة بيهم.

(10)

انا: شايف العيال حلوة ازاي

السائق: حلوة صحيح.. لكن اهلهم مجانين

انا: ازاي؟

السائق: مجانين انهم يودوا عيالهم المدارس

أنا: امال يودوهم فين؟

السائق: العيال بيروحوا المدارس وما بيتعلموش حاجة. ويفضل الاهل يكعوا دروس خصوصية فوق العشر سنين. وينتهي المشوار الاهل ما حليتهم الا اللظى والعيال ما لحقوش اي شغلانة.. يعني عبط في عبط.. وبعدين تلاقي العيال دول زاحمين الشوارع على طول، عيال رايحة من المدارس وعيال راجعة من المدارس، وبنزين وتلوث ووساخة، دوشة فاضية.

دلوقتي لا تعليم صناعي نافع ولا زراعي نافع ولا تجاري نافع. وما تنساش ان العيال يا عيني بيتعشموا او بيفتكروا انهم اتعلموا بحق وحقيقي.. وهما ما بيعرفوش يفكوا الخط.. الحاجة الوحيدة اللي بيتعلموها في المدارس هي النشيد الوطني.. حلو.. بس دي حتنفعهم في ايه؟؟


(11)

سألني السائق: مستعجل؟ انا لازم احط غاز، فاجبت بالنفي. ولكنني لم اكن اتوقع على الاطلاق هذا الطابور الذي لا ينتهي من السيارات في محطة الغاز، لم تكن هناك اي سيارة ملاكي في الانتظار، سيارت تاكسي فقط وكان الطابور ممتدا كالثعبان. لم يكن الطابور يتحرك كثيرا ووجدنا سائقين مجتمعون على جانب المحطة تاركين سيارتهم منتظرين ان يتقدم الطابور، نزلنا لننضم لبقية السائقين.. كانوا في حالة من الضحك الجماعي المتصل.

قال احدهم: عارفين ايه احسن هدية تجيبوها للمدام؟ تذكرة على عبارة السلام.

طيب عارفين نظرية الجواز: قبل الجواز انت تتكلم وهي تسمع، بعد الزواج هي تتكلم وانت تسمع، وبعد تلات سنين من الجواز انت وهي تتكلموا وامة لا اله الا الله تسمع.

تنطلق ضحكات هيستيرية ثم يقول احدهم: اسمعوا دي نكتة مصرية جدا.. قرد في غابة لقى النمور بتجري ووراهم حمار عمال يجري فسأله انت بتجري ليه؟ قال له: حيقبوضوا على النمور. قال القرد: طب وانت مالك؟ رد الحمار: حلني بقة لما عقبال ما اثبت اني مش نمر.

ضحكت من قلبي وشكرت السائق على هذه العطلة، وقررت كلما ضاقت بي السبل ان آتي الى تلك المحطة واشارك سائقي التاكسي ضحكاتهم العالية، المجوفة، الفارغة، الخارجة من المعدة وليست بالتاكيد من القلب.