Saturday, October 24, 2009

الصفحة السوداء للكتاب المقدس

كتاب صادر عن دار الكتاب العربي عام 2006 من القطع المتوسط لمحمد حسني يوسف يحلل فيه المفاهيم النصرانية ويردها إلى أصلها ونشأتها. يستعرض الكتاب لمحة عن الكتاب المقدس (العهد القديم والجديد) ونشؤ فكرة التثليث في العقيدة النصرانية. كما يتناول الجزء الخاص برؤية يوحنا بتفسير مفصل يرجح الكاتب أنها هي البشارة بظهور محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهي ما يسميها بالصفحة السوداء للكتاب المقدس لأنها تقف شاهدا عليهم. ولمزيد من التفاصيل عن الرؤيا انصح بالرجوع إلى الفصل الثالث من الكتاب

لكنني شخصيا لم اقتنع بالتفسير المعطى للرؤيا في الكتاب خصوصا وان الرؤيا ذاتها لا يمكن الأخذ بها كمرجع وحجة لعدة أسباب منها التحريف والتعديل الذي اعترى نصوص الكتاب المقدس، و عدم وضوح الرموز في الرؤيا وإمكانية اختلاف دلالاتها، أن الرؤيا لم تنقل عن المسيح ذاته وإنما نقلت عن يوحنا وقد تكون مكذوبة.

نبذة عن الكتاب المقدس
يتكون الكتاب المقدس من العهد القديم والعهد الجديد

العهد القديم
يراد بالعهد (الميثاق) أي أن هذه الأسفار (التوراة) تمثل ميثاقا أخذه الله على الناس. والعهد القديم هو معتقد بني إسرائيل وهي عندهم وحي وتنزيل يستمدون منه عقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم. يشتمل العهد القديم على تسعة وثلاثين سفرا (كتابا) حسب الأصل العبري وهي التي اقرها البروتستانت. وهناك بعض الأسفار التي اقرها الكاثوليك ورفضها البروتستانت وينقسم العهد القديم إلى ثلاثة أقسام وهي التوراة والكتب والانبياء

التوراة: أي الشريعة أو القانون. يعتقد بني إسرائيل أنها أسفار موسى عليه السلام وهي خمسة أسفار: سفر التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية. بعض طوائف اليهود كالسامريين لا يعترفون بغير هذه الأسفار في توراتهم

الكتب: تسجيل بعض التقاليد والوقائع التاريخية لبني إسرائيل كتبت من بعد موسى عليه السلام: سفر القضاة، أخبار الأيام الأول، أخبار الأيام الثاني، المزامير، الأمثال وغيرها

الأنبياء: وهي كتب أنبياء بني إسرائيل كتبت من بعد موسى عليه السلام. مثل : سفر يشوع، صموئيل الأول، هوشع، إشعياء، يونان يونس)، أيوب، إرمياء، دانيال وغيرها)

العهد الجديد
يتكون العهد الجديد من سبعة وعشرين سفراً اقرها علماء النصارى في مجامعهم من بين عشرات الكتب الأخرى في القرن الخامس الميلادي. ترجع أقدم النسخ التي لدى الكنيسة من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث الميلادي

كتب العهد الجديد باللغة اليونانية، ولكن وجدت فيه كلمات باللغة الآرامية ثم نقلت إلى اليونانية. ثم ترجمت إلى السريانية وأخذها نصارى الشام في كنائسهم. ثم كانت الترجمة الانكليزية المعتمدة ونالت هذا الامتياز بنسبتها إلى الملك جيمس، وهي ترجمة بعيدة كل البعد عن الدقة. وتنقسم أسفار العهد الجديد إلى ثلاثة مجموعات

أولا: الأناجيل الأربعة

إنجيل مرقس: أول ما دون من الأناجيل وكتب في روما على الأقل بعد أربعين سنة بعدما دعي بصلب المسيح، والإنجيل الذي بين يدينا اليوم يعتبر نسخة مزيدة ومنقحة. مرقس لم يقابل المسيح ويقال انه ألف إنجيله من ذكريات نقلها له بطرس

إنجيل متى: دون في أنطاكية عام 90 م ويميل بعض العملاء أن هذا الإنجيل من تأليف أتباع متى كتب بالآرامية ثم ترجم إلى اليونانية

إنجيل لوقا: دون في اليونان عام 80 م

إنجيل يوحنا : دون في أفسس مابين عامي 110 و 115 م ولا يوجد عالم من العلماء المتحررين من يعتبر هذا الإنجيل من أعمال يوحنا بن زبدى فقد مات يوحنا شنقا بواسطة افريباس الأول عام 44 م بمدة طيلة سابقة لتاريخ تدوين الإنجيل الرابع. يناقض هذا الإنجيل الأناجيل الأخرى في مئات التفاصيل فهو لا يدعي انه ترجمة لحياة يسوع كباقي الأناجيل وإنما عرض للمسيح من وجهة النظر اللاهوتية بوصفه

كلمة الله وخالق العالم ومنقذ البشر
ثانيا: أعمال الرسل: وهو يحكي تاريخ نشأة الكنيسة وظهور بولس المدعو رسولا

ثالثا: الرسائل المقدسة: إحدى وعشرون رسالة منها أربعة عشرة لبولس وهي بمثابة مواعظ وإرشادات للكنائس

الأناجيل الغير معتمدة وموقف الكنيسة من إنجيل برنابا
هناك الكثير من الأناجيل التي لا تعترف بها الكنيسة سندا للإيمان المسيحي مثل (إنجيل مريم، إرنايوس، توما، يعقوب، برنانبا، اكليمندس) وغيرها. أما إنجيل برنابا فيرجع تاريخ كتابته إلى القرن الخامس الميلادي وقد اصدر البابا جلاسيوس عام 492 أمرا يبين الكتب المنهي عن مطالعتها وفي أعدادها إنجيل برنابا. فإنجيل برنابا أنكر الوهية يسوع وكونه ابن الله، وان الذبيح الذي عزم ابراهيم عليه السلام على تقديمه لله إنما هو إسماعيل وليس إسحاق كما تذكر الأناجيل الأخرى. كما يذكر هذا الإنجيل اسم محمد باللفظ الصريح في أكثر من موضع. يذكر هذا الإنجيل أيضا أن يسوع لم يصلب بل حمل إلى السماء وان الذي صلب هو يهوذا الإسخريوطي الخائن

لقد اطلعت شخصيا على إنجيل برنابا باللغتين العربية والانجليزية. وعلى الرغم من انه قد يكون أقدم الأناجيل ذلك أن برنابا هو أحد تلاميذ المسيح عليه السلام، بحسب الرواية النصرانية، إلا إنني وجدت أن إنجيله قد اعتراه من التحريف ما اعترى الأناجيل الأخرى ولا يمكن استخدامه كحجة. ومن المحتمل أيضا أن لا يكون برنابا هو الذي دون هذا الإنجيل إنما احد تلاميذه أو أن يكون دون بعده بزمن بعيد ثم نسب إليه

أما بالنسبة ليهوذا الاسخريوطي، فلقد ورد في كتاب حسن حمدي (إنجيل يهوذا الاسخريوطي والبحث عن خائن المسيح) انه اكتشف حديثا في احد الكهوف المصرية وتحديدا في مايو 1981 مخطوطة لإنجيل نسبت روايته إلى يهوذا الاسخريوطي. الكتاب صادر عن دار الكتاب
العربي 2007.

الأناجيل لا يعول عليها
تم تصنيف الأناجيل بعد انقسامات مبكرة للنصارى إلى عدة طوائف مختلفة ولم تكن الأناجيل الأربعة الوحيدة التي دونت في القرون الأولى من العصر المسيحي. فكان من بين الأناجيل ما دون بالآرامية وكان يستخدمها الناصريون (سكان مدينة الناصرة موطن المسيح) وهؤلاء استنكروا أن يكون يسوع هو الإله المتجسد وأيقنوا انه مجرد نبي عظيم بينهم. لكن الكنيسة أعلنت أن هذه الأناجيل ما هي إلا هرقطات.

ولا زالت إلى الآن تجري تغييرات في نصوص الأناجيل حتى ما بين الطبعات المختلفة للنسخة الواحدة كالطبعة الأولى للملك جيمس وما تلاها من تغيرات في الطبعات اللاحقة. فإن البرفسور دوملو الأستاذ بجامعة كامبردج كتب في موسوعته الشهيرة في تفسير الكتاب المقدس

إن الناسخ في بعض الأحيان يضع في النص ما لم يكن فيه
لا وجود لنسخة الإنجيل الموحى به إلى يسوع المسيح في حياته
إن الأناجيل التي دونت ما بين عام 70 و 115 م تحتوي على مادة قد حدث التصرف فيها
لا احد من الكتاب الذين دونوا الأناجيل عرف المسيح أو استمع إليه مباشرة
كتبت الأناجيل باليونانية بينما كان المسيح يتحدث الآرامية
انه يوجد خلافات جسيمة بين المخطوطات المختلفة للأناجيل المحفوظة

أثر اليهود في تحريف المسيحية ووصولها إلى أوروبا

لقد كان لليهود اثر بارز في انحراف النصرانية ووصولها إلى ما آلت إليه في عقيدتها. فقد حاول اليهود منذ البداية اجتثاث النصرانية من جذورها، إلا أنهم لم يستطيعوا فلجأوا إلى أسلوب الدس والتحريف ليصرفوا رسالة المسيح عن القصد الأساسي التي جاءت به ويجعلوها دعوة عالمية وانحرافها عن كونها دعوة خاصة ببني إسرائيل

يرجع الفضل في انتشار المسيحية في ربوع الإمبراطورية الرومانية إلى رحلات بولس (اليهودي المتنصر) في آسيا وأوروبا. كما يرجع إليه الفضل في اعتناق الإمبراطور الروماني قسطنطين المسيحية

كان بولس يدعى (شاول) وهو اسم عبري، ولد في مدينة طرسوس اليونانية من أبوين يهوديين. تربى على يد غمالائيل حبر من أحبار اليهود. لم يرتاد بولس الأروقة العلمية أو يدرس الكتب اليونانية ذلك أن اليهود كانوا يمنعون أن يتأدبوا أبنائهم بالأدب اليوناني، وهذا يفسر لغته اليونانية الركيكة في رسائله

ولكن بولس قد تمتع بصفات خلقية لعبت دورا مميزا خصوصا بعد تنصره، فكان عقله من طراز شائع بين اليهود، وكان فيه من الخيال ونفاذ البصيرة أكثر مما فيه من نزاهة الحكم

ويذكر الإصحاح التاسع من سفر الأعمال قصة التحول المفاجئ لبولس من اليهودية إلى النصرانية. فقد كان بولس يهوديا متشددا يعلن عداءه للدين الجديد، وما لبث إلا أن تحول إليه فجأة. هناك من قال أن بولس تنصر بمعجزة إلهية، ومن قال انه كان يعاني من الصرع. وكان بولس أول من وصف المسيح بابن الله، فهو أمر لم يسمعه احد من المسيح عليه السلام أو تلاميذه

أرسل بولس رسائله إلى الأمصار ولم يستشر أحدا من تلاميذ المسيح عليه السلام. فلقد صرح بولس بنفسه انه لم يتعلم من الحواريين شيئا، فما هي مصادر معلوماته ودعوته؟

وما أن رأى انتشار الدين الجديد حتى خشي الإمبراطور الروماني قسطنطين على ملكه وآثر اعتناق هذا الدين حتى تتوسع رقعة حكمه ويبسط سلطته على كل الأراضي المسيحية خصوصا وان المسيحيين قد ذاقوا الأمرين في عهد من سبقوه من الأباطرة الرومان. ونظرا للخلاف الذي لا يزال قائما حول ألوهية يسوع ونبوته، خصوصا بعد البلبلة التي أحدثها بولس في العقيدة المسيحية، دعا الإمبراطور قسطنطين إلى مجامع كنسية لحسم الخلاف ولجمع المسيحيين على عقيدة واحدة

وهكذا اجتمع في عام 325 م في مجمع نيقية 2048 أسقفا كان منهم 338 فقط يزعمون ألوهية المسيح. وعلى الرغم من كونهم أقلية فقد انتهى المجمع بانحياز الإمبراطور إلى القول بإلوهية المسيح وحرق كل ما هو مكتوب بخلاف ذلك. وعلل الباحثون قول قسطنطين بألوهية المسيح انه كان إرضاء لغالبية شعب الإمبراطورية من الوثنيين إضافة أن فكره لا يزال وثنيا

ومن ابرز الفرق التي عارضت تأليه المسيح فرقة الآريوسيين التي اعتبرها النصارى فيما بعد فرقة ضالة ولقد حكم قسطنطين على آريوس وعلى كل الأساقفة الذين رفضوا التوقيع على صيغة ألوهية المسيح باللعنة والنفي وصدر مرسوم إمبراطوري بحرق كتبهم وأن إخفاء أي كتاب منها جريمة يعاقب عليها بالإعدام

وكان في خطاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى هرقل قيصر الروم إشارة إلى ذلك

"بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم
أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فان عليك إثم البريسيين" وفي رواية صاحب الفتح "الآريسيين"

وينقل العقاد أن دعاة الإصلاح في القرن السادس عشر قد أعادوا البحث في الوهية المسيح فظهر مذهب الموحدين الذي نشأ في بولونية وقرر أن الإله لا يحل في البشر وان المسيح عليه السلام إنسان كسائر البشر.

No comments: