Wednesday, November 11, 2009

تاكسي (حواديث المشاوير) لخالد الخميسي

كتاب خفيف الظل يضم بين دفتيه سسلة من الحكايات والحوارات التي عاشها الكاتب ما بين ابريل 2005 الى مارس 2006 في دراسة انثروبولوجية حية لحكايات سائقي التاكسي في شوراع القاهرة. ترصد الحكايات بلغة حية صادقة نبض الشارع المصري وهموم شريحة مطحونة اقتصاديا في كسب قوت يومها تتميز ايضا بخبرات واسعة في المجتمع بسبب احتكاكها اليومي بمزيج هائل من البشر. يذكر الخميسي في مقدمته انه وجد في التحلليل السياسي لبعض السائقين عمقا اكثر مما لدى العديد من المحللين السياسين الذين "يملئون الدنيا صخبا". وخالد الخميسي اعلامي ومنتج ومخرج وكاتب سيناريو حاصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة السوربون.


قال المفكر المعروف د. عبد الوهاب المسيري عن هذا الكتاب انه "عمل ابداعي اصيل ومتعة فكرية حقيقة."


وهذه مقتطفات مختصرة وقليلة من بين ثمانية وخمسين حكاية جميلة من حكايات المشواير 

(1)

هنا القاهرة.. نشرة الاخبار.. ثم اتحفنا المذيع بعدد لا يحصى من الحوادث، طبعا بعد تفصيل ما فعله الرئيس مبارك اثناء اليوم.

السائق: هم ليه مصممين ان احنا لسه متخلفين عقليا ولسه ما طلعناش من الحضانه. تحصل حادثة قطر عندنا، فجأة نقعد كام يوم نسمع عن كل حوادث القطره اللي حصلت في العالم. بعدين تطلع مذيعة اطفال وتكلمنا بصوت بتاع اشربوا اللبن قبل ما تناموا وتقعد تدينا نصايح بصوت ام حنون باعتبار انه الشعب لسه ما شالش الكفولة.

وبعدين زهقنا كمان من اخبار الرئيس. كل نشرة، الرئيس قابل والرئيس اتصل، انا مالي هو كلم مين ولا راح افتتح ايه، اما الاخبار اللي تهمنا مافيش، حاجة تقرف. كل واحد عايز يتمحلس شوية يتمحلس على قفايا انا، انا رأيي يعملوا اذاعات فيها نشرات بجد ونشرات محلسه ويسموها كده، عشان الرئيس يسمع نشرات المحلسه ويبقى يرقيهم، واحنا نسمع بقية النشرات.

ياعم انا مالي! هي كانت بلدنا؟ دي بلادهم همه، يعلموا فيها اللي همه عاوزينه، واحنا خلينا في التاكسي!


(2)

يا الهي! كم عمر هذا السائق؟ وكم عمر هذه السيارة؟ فان عدد الكرمشات في وجهه بعدد نجوم السماء. شعرت بمجرد الجلوس بجانبه ان الحياة بخير.

أنا: حضرتك اكيد بتسوق من فترة طويلة؟

السائق: انا بسوق تاكسي من سنة 48

أنا: وايه يا ترى خلاصة خبرتك اللي ممكن تقولها لواحد زيي

السائق: نملة سوداء على صخرة سوداء في ليلة سوداء يرزقها الله.

انا: قصدك ايه؟

السائق: احكيلك حكاية حصلت لي الشهر ده عشان تفهم. عييت لمدة 10 ايام عيا شديد وماكنتش قادر اتحرك. وانا طبعا على باب الله يعني اليوم بيومه معايا. ومراتي مخبيه علي وعمالة تشحت اكل من الجيران. وانا طبعا ولادي اللي فيهم مكفيهم، اللي جوز نص عياله ومش عارف يجوز النص التاني. في يوم كدبت على الحجة وقلت لها ح اقعد في القهوة ساعة. ونزلت دروت على العربية وقلت يا ربنا يا رزاق. فضلت ماشي ولقيت عربية بيجو عطلانة والسواق بتاعها بيشاور لي. وقفت وقال لي: معايا واحد عربي طالع المطار. تاخده علشان عربيتي عطلت؟

ركب معايا الزبون وطلع من عمان، من عند السلطان قابوس. وانا في الطريق عرفت انه رايح قرية البضايع علشان حاجة يخلصها فعرفته انه حفيدي يشتغل هناك وانه ممكن يساعده في تخليص الجمرك. وبالفعل خلصنا الحجات ورجعنا.

سألني حتاحد كم يا حاج؟ قلت اللي تجيبه. فراح مديني خمسين جنيه. شكرته ودورت العربية.

قال لي: بص يا حج. الجمرك كان المفروض يبقى ب 1400، دفعت انا 600 جنيه، يعني الفرق 800 جنيه دول طالعين من ذمتي. يعني حلالك. واجرة التاكسي 200 جنيه. آدي الف جنيه والخمسين اللي معاك هدية مني.

شفت يا استاذ.. يعني مشوار واحد جاب لي الف جنيه ممكن اشتغل شهر وماجيبهومش. شوف ربنا نزلني من بيتي وعطل عربية البيجو واوجد كل المسببات علشان يرزقني. اصل الرزق ده مش بتاعك، كله بتاع ربنا.

(3)

السائق: واحد ماشي في الصحراء لقى مصباح علاء الدين دعكه طلع جني. قال شبيك لبيك. الراجل ما صدق وراح طالب مليون جنيه. راح الجني مديله نص مليون. قال له وفين النص التاني انت حتخنصر من اولها. قال الجني: اصل الحكومة مشاركة في المصباح فيفتي فيفتي (ثم انفجر ضاحكا) انت عارف الحكومة فعلا بتاخد يجي نص مكسبنا.

أنا: ازاي؟

السائق: عن طريق التقليب. كل شوية يطلعوا لنا في حدوتة جديدة. بص بصراحة احلى واحدة بتاعة الحزام.

أنا: ماله الحزام؟

السائق: فجاة قالوا لازم تركب حزام والمخالفة بخمسين جنية. وراحت نازلة حزمة نار ما يقلش عن ميتين جنيه. طبعا داخل فيها ناس كبار، تصور حضرتك فيه كام تاكسي في مصر, عد انت بقى.. شغل بالملايين يا باشا. الحكاية كلها بيزنس في بيزنس. الكبار قوي استوردوا احمزة وباعوها وكسبوا ملايين. والداخلية اشتغلت مخالفات الله ينور ولموا ملايين. يعني الكل مستفيد. والكل عارف انه الحزام ده كدب في كدب. ديكور يعني... بنركبه اونطة. الحزام ده اما تدوس على الفرامل يشد معاك اما عرابيتنا لما تدوس يفك معاك. (ورفع السائق امامي الحزامي ليريني انه ليس مربوطا)

الظابط لو وقفك بيبص على الحزام وهوعارف كويس قوي انه ديكور. احنا عايشين في كدبه ومصدقينها. والحكومة دورها انها تراقب احنا مصدقين الكدبة، ولا لأ؟

(4)

السائق: انت حضرتك ما يخيلش عليك الحجاب اللي هما لابسينه. شوف البنطلون المحزق والهباب اللي ملطخين بيه خلقتهم. اللهم اكفينا شرهم. مصيبة والعياذ بالله. البنات عايزه الدبح. لأ والله الدبح قليل عليهم. دول عايزين الحرق. علامة من علامات الساعة. اصل الساعة قربت. الانحلال بيعم والاخلاق ما فيش والفساد على ودنه. واهم حاجة منسوب المياه في بحيرة طبرية. بيقولوا ان يوم الساعة حتكون البحيرة دي ناشفة تماما.. دلوقت سمعت انها خلاص بتنشف ما فضلش من المية غير القليل... واللي بيحصل في فلسطين والقدس. المسألة واضحة تماما. كلها كم سنة وخلاص.. من اجتهد لله حيترفع للجنة والبقية حيتخسف بيهم الارض ان شاء الله. اللي واكلينها والعة وماصين دمنا حيصلوا في نار جهنم ان شاء الله. والدور والباقي على الستات. دوول حيتشووا على النار لغاية ما يقولوا يا كافي.

(حمدت ربي انني وصلت وهربت من التاكسي قبل ان تصلني لعناته. وحمدت الله انني لست امراة )


(5)

السائق: الزمالك دي عاملة زي مصر لازم كلنا نقف معاها عشان تبطل ترجع لورا؟

أنا: ازاي نقف معاها؟

السائق: ان احنا نجهز ولادنا للحرب. الامريكان يقولوا يمين نروح يمين.. شمال.. نجري شمال.. بس ده كان مهم عشان ناخذ نفسنا واقتصاد البلد يشد حيله ونعرف نقف على رجلينا... لكن الحرب جايه جايه. الاسرائليين مش حيقدروا ما يحربوش.. السلام حيموتهم.. فكل واحد في البلد دوره انه يجهز ولده للحرب.. لانها جايه جايه.. المشكلة فيهم مش فينا.. هما اللي مش حيقدروا يعملوا سلام.. واحنا ما ينفعش نعمل سلام مع نفسنا.. السلام ده لازم نعمله مع حد تاني؟ (يضحك من نكتته).. انا شخصيا اشرح لولادي الموضوع علشان لما تدق الطبول يسمعوا دقتها.


(6)

السائق: في واحد لسه نازل من شويه قال انه حادثة خان الخليلي مش عاملها الاسلاميين ولا حاجة، وان دي الحكومة اللي عاملاها عشان الناس تتعاطف معاها ضد الاسلاميين قبل الانتخابات الرئاسية. السياسية ده كده طول عمرها وسخة. ما احنا كلنا عارفين ان الامريكان هما اللي ضربوا البرج بتاعهم ولبسوها الاسلاميين. السياسية شعارها اللي تكسب به العب به.

أنا: انت بتقول ايه؟ مفيش اخلاق مفيش قانون؟ انت فاكر احنا عايشين في غابة.

السائق: ليه وانت فاكرنا عايشين فين؟ في مدينة؟ ده الغابة رحمه على اللي احنا فيه. انت عارف احنا عايشين فين؟

أنا: فين؟

السائق: في الجحيم.


(7)

السائق: مفيش ديموقراطيه في العالم.. طبعا عندنا مفيش داعي نتكلم، بس كمان بره. في امريكا الناس بتروح تنتخب بين حزبين وهما في الحقيقة نفس الحاجة.. زي ما هنا تروح تنتخب مبارك او مبارك. بس في فرق.. مثلا، ما ينفعش هناك يقولوا جماعة الاخوان المحظورة ويبقوا هم اللي واقفين قدام الحزب الوطني. هناك محظروة يعني محظورة, اما هنا محظورة وسايبينها تشتغل.

على فكرة مش بس الاخوان، ده اي واحد فينا ممكن يتقبض عليه بالقانون. يعني مثلا لو وقفني دلوقتي حيقولك الرخص.. الرخص سليمة.. حيقولك الطفاية فاضيه او بعيدة عنك او قديمة.. ما تفهمش عرف ازاي انها فاضيه او قديمة.. ولو عديت من الطفاية يقوللك امن ومتانة واكيد اي عربية في مصر مخبوطة خبطه صغيره في حته. يعني باختصار احنا كلنا محظروين.. واي واحد في البلد دي زي الاخوان ممكن يتلم في اي وقت.

(8)

6 اكتوبر.. 6 اكتوبر.. صرخات كنت اطلقها في الهواء كي تقنع احد سيارت الاجرة بالتوقف ولكن هيهات. وبعد صبر توقف تاكسي.

انا: اي الحكاية؟ بقى لي نص ساعة ما حدش عايز يقف لي.

السائق: ولا حد كان حيوقف لك.

انا: ليه؟

السائق: بالليل كده وفي حتت مقطوعة وبالذات قي 6 اكتوبر صعبه الايام دي.

انا: ليه؟ فيه ايه؟

السائق: حصلت كم حادثة كده. زباين ياخدوا تاكسي ويقولوا 6 اكتوبر وفي حته مقطوعة يطلعوا مطاوي وياخذوا اللي معاه ويرموه على الطريق وياخذوا العربيه.

انا: وانت عرفت منين، انتنشرت في الجرايد؟

السائق: انا لاقي اكل عشان اشتري جرايد. انا كنت قاعد على القهوة لقيت شوية سواقيين وجايبين ورق مكتوب فيها الكام حادثة دول وبيوزعوها على السواقين وادوني كذا نسخه اوزعها على سواقين انا عارفهم. عشان كذا انا بصيت لك كويس قبل ما اركبك.

(ارهبتني القصه ولكن اعجبني قصة تكاتكف السائقين وتوزيعهم منشور تحذيري)


(9)

شغل موضوع تاكسي العاصمة اذهان العديد من السائقين. ومرت السنوات والمشروع لم ير النور بعد. ولقد اطلقوا عليه اسم تاكسي القاهرة الدولي. ما معنى كلمة دولي هنا؟ ولماذا دولي؟ وهل سيارة التاكسي هي الدولية او القاهرة التي تم تدويلها؟ واستمر سائقوا التاكسي الابيض والاسود اولاد البطة السوداء في البحث عن كافة التفاصيل الخاصة باعداد سيارات الاجرة الصفراء اولاد البطة البيضاء. وتسائلوا عمن سيركب هذه التاكسيات؟ وهل سؤثر المشروع عليهم؟

السائق: بيتكلموا عن الموضوع دا وكانه مشروع قومي. بيقولوا حينزلوا 1500 عربية، وفي القاهرة ثمانين الف تاكسي. حيتشافوا فين دول. والله الحكاية دي فكرتني بنتكة الرئيس اللبناني اللي راح يزور الصين، فسأله الرئيس الصيني: ما جبتش معاك الشعب اللبناني ليه؟

بعدين تاكسي العاصمة عامل بالظبط زي الليموزين اللي عملته جيهان السادات. كان للاجانب وبس. واللي يطمن ان الحكومه مش بتفكر غير في السياح والاغنياء، واحنا بنركب الشعب الغلبان اللي الحكومة مالهاش دعوة بيهم.

(10)

انا: شايف العيال حلوة ازاي

السائق: حلوة صحيح.. لكن اهلهم مجانين

انا: ازاي؟

السائق: مجانين انهم يودوا عيالهم المدارس

أنا: امال يودوهم فين؟

السائق: العيال بيروحوا المدارس وما بيتعلموش حاجة. ويفضل الاهل يكعوا دروس خصوصية فوق العشر سنين. وينتهي المشوار الاهل ما حليتهم الا اللظى والعيال ما لحقوش اي شغلانة.. يعني عبط في عبط.. وبعدين تلاقي العيال دول زاحمين الشوارع على طول، عيال رايحة من المدارس وعيال راجعة من المدارس، وبنزين وتلوث ووساخة، دوشة فاضية.

دلوقتي لا تعليم صناعي نافع ولا زراعي نافع ولا تجاري نافع. وما تنساش ان العيال يا عيني بيتعشموا او بيفتكروا انهم اتعلموا بحق وحقيقي.. وهما ما بيعرفوش يفكوا الخط.. الحاجة الوحيدة اللي بيتعلموها في المدارس هي النشيد الوطني.. حلو.. بس دي حتنفعهم في ايه؟؟


(11)

سألني السائق: مستعجل؟ انا لازم احط غاز، فاجبت بالنفي. ولكنني لم اكن اتوقع على الاطلاق هذا الطابور الذي لا ينتهي من السيارات في محطة الغاز، لم تكن هناك اي سيارة ملاكي في الانتظار، سيارت تاكسي فقط وكان الطابور ممتدا كالثعبان. لم يكن الطابور يتحرك كثيرا ووجدنا سائقين مجتمعون على جانب المحطة تاركين سيارتهم منتظرين ان يتقدم الطابور، نزلنا لننضم لبقية السائقين.. كانوا في حالة من الضحك الجماعي المتصل.

قال احدهم: عارفين ايه احسن هدية تجيبوها للمدام؟ تذكرة على عبارة السلام.

طيب عارفين نظرية الجواز: قبل الجواز انت تتكلم وهي تسمع، بعد الزواج هي تتكلم وانت تسمع، وبعد تلات سنين من الجواز انت وهي تتكلموا وامة لا اله الا الله تسمع.

تنطلق ضحكات هيستيرية ثم يقول احدهم: اسمعوا دي نكتة مصرية جدا.. قرد في غابة لقى النمور بتجري ووراهم حمار عمال يجري فسأله انت بتجري ليه؟ قال له: حيقبوضوا على النمور. قال القرد: طب وانت مالك؟ رد الحمار: حلني بقة لما عقبال ما اثبت اني مش نمر.

ضحكت من قلبي وشكرت السائق على هذه العطلة، وقررت كلما ضاقت بي السبل ان آتي الى تلك المحطة واشارك سائقي التاكسي ضحكاتهم العالية، المجوفة، الفارغة، الخارجة من المعدة وليست بالتاكيد من القلب.


2 comments:

dee said...

هلا دلال: كتاب "تاكسي" هو الكتاب الذي كنت أقراه الفترة الماضية بناء على توصية المسيري و توصيتك و توصية أخي. آه يا إلهي: بقدر ما هو قراءة ماتعة بحق بقدر ما هي قراءة فيها كم الكأبة كثير. و هؤلاء السائقين: إنهم الأعلم بشؤون البلد. ربما سيحتاج تحديث الكتاب قريبا: أريد أن أعرف وجهة نظر سائقي التكاسي بترشيح البرادعي نفسه لرئاسة مصر منافسا لجدو مبارك. أكيد عندهم التحليل الأدق. و شكرا لتقديم الكتاب.

Dalal.T.Sh. said...

I am glad you enjoyed reading the book and you are always welcome